أوجه الشبه بين المرض النفسي والمس الشيطاني
يلاحظ من أعراض كثيره من الأمراض النفسية أنها تتشابه مع أعراض المس الشيطاني ؛ لدرجة تجعل التمييز بين الأمرين صعباً جداً ، ولا يقدر عليه إلا ذوو خبرة ودراية في طبيعة المرضين ، وهذا التشابه يلحظ في أكثر الأمراض النفسية، وسأذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر.
1 - الهلوسة :
عرف الأطباء النفسيون الهلوسة بأنها : إدراك دون وجود مثير خارجي ، فيقرر المريض بالفصام أنه يسمع أصواتاً تناديه،ومريض آخر يرى بعض الحشرات تزحف على جلده . ([1])
يلحظ على أعراض الهلوسة أنها نفسها من أعراض المس ؛ حيث يشعر المريض بأن هناك نفساً آخراً في الغرفة بجانبه ،أو أن هناك شيئاً خلفه ، أو أن هناك من يحادثه. ([2])
2 - الاكتئاب العصابي .
يعتبر الاكتئاب العصابي من أشهر الأمراض النفسية ، وأكثـرها انتشاراً ، وهو
اضطراب نفسي يشعر فيه الشخص بالقلق والحزن والتشاؤم ، وغالباً ما يصاحب ذلك الشعور بالذنب ، والتأنيب المستمر ، والبكاء المتكرر، ويلحظ على المكتئب أنه يقتصد في نشاطه وحيويته ، ويقلل من علاقاته الاجتماعية مع الميل إلى الانطواء ، ويكون مصحوباً باضطرابات عقلية مثل الهلوسة والهواجس، وأحياناً يصل بالمكتئب إلى الانتحار الذي يبدو كأنه البديل الوحيد للأحزان.([3])
وهذه الأعراض تلحظ في المس الشيطاني بصورة واضحة،وخاصة الهواجس، والانطواء والبكاء الكثير بدون سبب، ([4]) بل يلحظ على هذا المرض أنه أكثر الأمراض النفسية مشابهة للمس، وهذا ما يجعل كثيراً من المعالجين لحالات المس يختلط عليهم الأمر ، وينسبون المس الشيطاني لكثير من حالات الاكتئاب .
3 - الوسواس القهري .
وهو الانشغال الدائم الواعي بمجموعة من الأفكار غير المرغوب فيها ، والتي لا يمكن استبعادها ويصاحبه وساوس ذهنية واندفاعات ملحة ، ومتكررة لا تتم على نحو إرادي بالرغم من محاولة الشخص صدها ، ومنعها ، ويتبع ذلك عدة جوانب من السلوك والنشاطات المتكررة التي يقوم بها المريض بشكل طقوسي نمطي مثل غسل اليد عشرات المرات بهدف النظافة ؛ فينتج عن هذه الوساوس والأفعال إحساس بالتعاسة .([5])
ويلحظ على هذا المرض أنه حظي بعناية علمائنا من السلف الصالح ، وخاصة عند
حديثهم عن الطهارة والصلاة ، ([6]) ويرى البعض أنه مرض يحـدث من غلبة السوداء ،
ويختلط معه الذهن ، أو مما يخطر بالقلب من الشرور ، أو مما تهجس به النفس ؛ فيكون الموسوس هو النفس ذاتها .([7])
يلحظ على هذا المرض أن له ارتباطاً واضحاً في المس الشيطاني ، بل اعتبر المعالجون أن سيطرة الوسوسة وأعراضها على المريض ، من أعراض المس التي يعرف من خلالها . ([8])
أقول : دلالة الوسوسة القهرية ، وأعراضها على المس دلالة ضعيفة ، وكما ذكرت أن السلف الصالح اهتموا بها ، وأفردوها في مباحث خاصة ، وبينوا أسبابها من خلال بيان العلاقة بين النفس والروح والعقل والشيطان ، وما وجدت من هذه الأسباب المس الشيطاني ؛ مما يدل على أن وجودها يدل على علة أخرى غير المس .
واعتباري أن دلالة الوسوسة القهرية على المس ضعيفة ، هو في حال كونها منفردة، أما في حال اجتماعها مع عدة أعراض أخرى للمس ، فإن الدلالة تصبح قوية جداً ؛ لأن الوسوسة نتيجة حتمية لكل اقتران شيطاني لجسد الإنسان .
4- الفصام :
وهو اضطراب عقلي لا يوجد له أساس معروف ، ويتضمن تفككاً في وظائف الشخصية الإدراكية والمعرفية ، وأهم أعراضه : وجود هواجس لا أساس لها من الصحة ؛ كأن يعتقد المريض أن سلوكه تحكمه قوى خارجية ، وأن أفكاره ومشاعره ، والاندفاعات التي تحكمه ليست من صناعته، ولكنها دخيلة عليه من خلال قوى لا يستطيع السيطرة عليها ، ويصاحب ذلك سماع أصوات تحادثه في موضوعات بينما لا يسمعها أحد . ([9])
يلحظ من مرض الفصام وأعراضه أنه أقرب الأمراض النفسية للمس الشيطاني ؛ إذ أن أعراضه هي أقوى الأعراض دلالة على المس ، بل أعتقد أن أكثر حالات الفصام هي حالات مس شيطاني ، سيما إذا كان عند أحداث السن ، ولكن الصق لها هذا المصطلح النفسي ؛ لأن أغلب العلماء النفسيين الغربيين الذي يرجع لهم في الطب النفسي لا يؤمنون بالغيبيات ، والعلم في عرفهم هو ما يمكن إخضاعه للتجربة ؛ لذا انطلاقاً من مبدئهم ألصقوا لهذه الأعراض مصطلحاً نفسياً يتوافق ومنهجهم ، ومما يؤيد ذلك قولهم في تحديد ماهية ظاهرة الفصام ؛ بأنه اضطراب عقلي ليس له أساس معروف .
والأقرب إلى الصواب اعتبار ما يخالط المريض من شعور بأن هناك قوى خارجية تتحكم في تصرفاته وسماعه لأصوات تحادثه ، أن ذلك من فعل جني تلبسه .
منقول من كتاب المس الشيطاني للدكتور محمد المبيض
([1]) انظر سلطان : الطب النفسي (22 )
([2]) انظر بالي : الوقاية ( 68 ) ؛ الصايم : المنقد القرآني (112 ) ؛ العوضي : المنهج القرآني (67) .
([3]) انظر إبراهيم : علم النفس الإكلينيكي (45 وما بعدها ) ؛ العيسوي : باثولوجيا النفس (218) ؛مليكة : علم النفس الإكلينيكي (184 وما بعدها ؛ ) .
([4]) انظر بالي : الصارم البتار ( 65 _ 78 ) ؛ العوضي : المنهج القرآني (99) ؛ الصايم : المنقد القرآني (117 ) ؛خليل إبراهيم : الطرق الحسان في علاج أمراض الجان ( 70 وما بعدها ) ؛ الدمرداش : معجزات القرآن ( 86 )
(2) انظر الطيب : الوسواس القهري ( 21) (224) ؛ عكاشة : الطب النفسي المعاصر ( 96 ) .
([6]) ممن عني بهذا المرض من سلفنا الصالح ابن القيم الجوزية وأبو حامد الغزالي ، ولهم في تحديد طبيعة هذا المرض ، وأسبابه ، وطريقة علاجه مباحث قيمة [ انظر ابن القيم : إغاثة اللهفان (82 وما بعدها ـ 100 ـ135 وما بعدها ـ 151 وما بعدها ) ؛ الغزالي الإحياء ( 114 وما بعدها )
([7]) زريق : علم النفس الإسلامي ( 145)
([8]) انظر العطار :صرع الشيطان للإنسان (140وما بعدها ) ؛ العوضي : المنهج القرآني (99 ) ؛ بالي : الصارم البتار ( 82 ـ 88 )
([9]) انظر مليكة : علم النفس الإكلينيكي ( 172 ) ؛ إبراهيم : علم النفس الإكلينيكي (
([2]) انظر بالي : الوقاية ( 68 ) ؛ الصايم : المنقد القرآني (112 ) ؛ العوضي : المنهج القرآني (67) .
([3]) انظر إبراهيم : علم النفس الإكلينيكي (45 وما بعدها ) ؛ العيسوي : باثولوجيا النفس (218) ؛مليكة : علم النفس الإكلينيكي (184 وما بعدها ؛ ) .
([4]) انظر بالي : الصارم البتار ( 65 _ 78 ) ؛ العوضي : المنهج القرآني (99) ؛ الصايم : المنقد القرآني (117 ) ؛خليل إبراهيم : الطرق الحسان في علاج أمراض الجان ( 70 وما بعدها ) ؛ الدمرداش : معجزات القرآن ( 86 )
(2) انظر الطيب : الوسواس القهري ( 21) (224) ؛ عكاشة : الطب النفسي المعاصر ( 96 ) .
([6]) ممن عني بهذا المرض من سلفنا الصالح ابن القيم الجوزية وأبو حامد الغزالي ، ولهم في تحديد طبيعة هذا المرض ، وأسبابه ، وطريقة علاجه مباحث قيمة [ انظر ابن القيم : إغاثة اللهفان (82 وما بعدها ـ 100 ـ135 وما بعدها ـ 151 وما بعدها ) ؛ الغزالي الإحياء ( 114 وما بعدها )
([7]) زريق : علم النفس الإسلامي ( 145)
([8]) انظر العطار :صرع الشيطان للإنسان (140وما بعدها ) ؛ العوضي : المنهج القرآني (99 ) ؛ بالي : الصارم البتار ( 82 ـ 88 )
([9]) انظر مليكة : علم النفس الإكلينيكي ( 172 ) ؛ إبراهيم : علم النفس الإكلينيكي (
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق