الاثنين، 30 يوليو 2018

الرد على موضوع معرفة العائن عن طريق التخييل

الرد على موضوع معرفة العائن عن طريق التخييل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد :

بعد اطلاعي على موضوع كان قد كتبه أحد الرقاة في منتديات الرقية الشرعية حول موضوع ( معرفة العائن ) وجدت فيما كتب هذا الراقي طرق مبتدعة في معرفة وتحديد العائن ولها تأثير سلبي على حياة المسلمين فضلا عن أنها عارية عن الصحة ثم وجدته أنه فلسف هذه الطريقه بكيفية عجيبه لا أساس لها من الصحة فبعد هذا الإطلاع وجدت أنه لزاما عليّ أن أبين ما وقع فيه من أخطاء ثم أتبع الردود بالطرق الشرعية الصحيحة المعمول بها عند العلماء الثقات .

وبعد :

أولا : تلخيص الموضوع كما ورد في المقال :

ذكر الاخ صاحب المقال طريقه وفلسفة لمعرفة العائن مفادها انطلاق المعالج من حديث سهل بن حنيف وعامر بن ربيعة وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تتهمون ) فبدأ طريقته على النحو التالي :

1- اتهام بعض الناس ممن يكونوا قد رموه بالعين .

2- جلوس المصاب في هيئية وكيفيه معينه ، مثل مد القدمي ووضع اليدين على الفخذين .

3- اختبار المتهمين واحدا تلو الآخر .

4- تخيل اسم العائن وأنه واقفا أمامه ينظر إليه مع قوله : ( ما شاء الله تبارك الله ) وتكرار هذا الأمر مع سد الأذنين في الإبهام وسد باقي الأصابع على العينين وأيضا تكرار اسم المتهم بصوت مرتفع وأيضا يتخيل المتهم وهو شاخص بصره إليه ويكرر الآية : (( ثُمّ ارجِعِ البَصَرَ كَرّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِير )) .

5- يكون اختيار المتهم الثاني بعد استراحة المصاب بعشر دقائق وهكذا دواليك.

6- ادعى بأن هذه الطريقة تؤثر على المعيون وتحدث تعبا شديد في الجسم .

7- ادعى أن المتهم الذي يسبب ضررا وتعبا أكثرفهو أكثرهم إصابة له بالعين .

8- ادعى أن تأثير العين عبارة عن أمواج تصدر من العين وتصيب المعيون .

9- ادعى أن الحسد يخرج من نفس الحاسد فإذا مات الحاسد انتهى أمر الحسد بعكس العين فإن تأثيرها لا ينتهي بموت العائن.

10- ادعى أن التحصين الشرعي فيه طاقة إيجابية مضاده للعين.


ثانيا : الرد على المقال :

قوله : في اتهام مجموعة من الناس أنهم يمكن ان يكونوا قد أصابوه بالعين فهذا لا شيء فيه وهو ثابت في السنة المطهره كما ذكرنا سابقا في حديث سهل بن حنيف ( من تتهمون ) ولكن اعتراضنا على الخطوات المذكوره بعد الاتهام..

وأما قوله : أن المعيون هو الذي يتهم ويبدأ في الاتهام فإن هذا مخالف لما ورد في الحديث
حيث أننا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستند في تحديد العائن إلى التخيلات والأوهام بل سأل سؤالاً محدداً لا لبس فيه ولا إيحاء : هل تتهمون فيه أحداً ؟ كما جاء عنه عليه أفضل الصلاة والسلام .

وقوله : في تخصيص وضعيات وهيئات معينه يفعلها المريض أثناء تطبيق هذه الطريقه حيث ذكر منها مد القدمين ووضع اليدين على الفخذين مبسوطة وسد الأذنين بالإبهام وسد العينين بباقي أصابع اليد نقول فيه : 

*- أين دليل التخصيص لهذه الوضعيات والهيئات فإن أجاب وقال أن دليله التجربه أجبناه لا بد من فلسفة وبيان أثر هذه الوضعيه في العلاج وإلافإنه يكون مجرد ادعاء .

*- طلب المعالج من المريض بسد أذنيه وعينيه والتي تعتبرمنافذ للرؤيه والسمع فحينها يفصال للمريض عن العالم الخارجي فيبدأ تأثير الإيحاء وبعدها الاتهامات والتخرصات التي لا تستند إلى دليل حيث يؤدي ذلك مفاسد شرعية عظيمة لا يعلم مداها وضررها إلا الله تعالى .

وقوله : في تخصيص الآية الكريمه ((فَارْجِعِ الْبَصَرَهَل تَرَى من فطور))وتكرارها وتخصيصها كأداة فحص لها تأثير في كشف المتهمين نقول فيه :

أنه أبعد النجعة فالآيه الكريمة تتحدث عن إحكام خلق الله تعالى وكونه وان الناظر فيه يعود إليه البصرمعترفا بإحكام الله لخلقه ولا أدري ما سبب اختيار هذه الآيه لإثبات العين أو الحسدوما علاقتها بذلك ؟!!!! .

وقوله : أن المتهم الذي يسبب تعبا أكثرلجسم المعيون هو أكثرهم إصابة له بالعين فيقال فيه :

أن الأخ صاحب المقال عدد العائنين على معيون واحد ثم جعل تأثيرهم عليه بدرجات متفاوته وأن شدة تأثيرهم عليه يأتي بدرجات متفاوته وأن شدة تأثير أحدهم تظهر أثناء التخيل المزعوم وهذا لا أساس له من الصحة فيستبعد وقوع مجموعة عائنين على معيون واحد ويستبعد أيضا أن تكون العين بدرجات متفاوته ويستبعد أيضا الكشف عن تأثير العين بالطريقة المزعومه وليت شعري لماذا أدخل صاحب المقال نفسه والمصاب في متاهات وزوايا ضيقة ألم يكن يكفيه أن يطلب من جميع الذين اتهمهم الاغتسال بطرق شرعيه دون حدوث أي مفسده .

وقوله : بالاستراحة للمعيون بين المتهمين عشر دقائق يقال فيه :
أن صاحب هذا القال يعترف بنفسه أن عملية التخييل عمليه غير طبيعهوتخرج الإنسان عن وضعه الطبيعي بدليل أن هذه الاستراحه هي عودة الشخص الى طبيعته الأصليه بعدعناء وهذا الأمر فيه ما فيه من الخلط والتخبط.

وقوله : أن العين عباره عن أمواج صادره عن من العائن إلى المعيون نقول فيه :

إن قوله هذا يفيد بأن الأمواج شيء مادي محسوس وهذا يحتاج إلى دليل ولذا فإنه يقول ابن القيم في الزاد " هي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطيه تارة".وفي فتح الباري شرح صحيح البخاري قيل أن العين قد تكون من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون .وقيل أن الذي يخرج من عين العائن سهم معنوي إن صادف البدن لا وقاية له أثر فيه وإلا لم ينفذ السهم .

وقوله أيضا : أن تأثير الحسد ينتهي بموت الحاسد في حين أن العين لا تنتهي بموت العائن فيقال فيه :
إن هذا تفريق بلا مفرق وتناقض في القول فما دام أن تأثير الحسد يكون بشيء بإمداد من النفس وأن العين تقع بإمداد خارج من العين فلماذا ينتهي هذا الإمداد بموت الحاسد ولا ينتهي بموت العائن ؟!!!! علما بأن الطريقه والكيفيه واحده .

وأما قوله : بأن الطاقه الإيجابيه مضاده للعين فيقال فيه :

أن صاحب هذا المقال يتصور أن الأذكار والتحصينات تشكل طاقة ومادة محسوسة تكون كالدرع حول الشخص صاحب التحصين فتمنع هذه الطاقه الأمواج الخارجه من العين وهذا الامر كونه لا دليل عليه أبدا فهو مخالف للتصور المعروف لدى جماهير المسلمين سلفا وخلفا بأن الأذكار تحصن صاحبها بفض معية الله تعالى وحفظه وقد تكون بسبب الملائكة لقوله تعالى : (( له معقبات من بين يده ومن خلفه يحفظونه من أمر الله )) أم أن تكون الرقية مسببة لطاقة ماديه محسوسة تتشكل حول الجسد تصد أمواج عاتيه من العين فهذا من غريب القول وعجيبه ويحتاج إلى دليل بل أدله وبراهين ساطعه.

الخلاصة :


بعد هذا العرض لطريقة صاحب المقال في معرفة العائن والرد عليها تبين أن هذه الطريقة طريقة مبتدعة ليس عليها أدلة شرعية ولا تؤيدها تجربة صحيحة ولا يحكمها الواقع ولا يشهد لها العدول من الرقاة والعلماء ولا أدري لماذا أدخل نفسه ( صاحب المقال ) في هذه المداخل الكثيرة والمتشعبه والمتشابكه ولا أدري ما هو الهدف من هذا كله وكان يكفيه أخذ الأثر ممن يتهمهم بطرق شرعية صحيحة من غير حدوث مفسدة فلا يحتاج معرفة من أصابه بالعين على وجه الدقة ولا يحتاج الا تخييل واستحضار وغير ذلك من تكليف المريض فوقه طاقته وإيقاعه في الوهم والحرج فضلا على أن هذه الطريقه تفتح باب المفاسد وتدخل الأوهام على المريض .
فإن ادعى صاحب هذا المقال أو غيره بأن هذا من باب التجارب المباحه فإنا نقول له : إن التجارب التي يؤخذ بها يشترط فيها أمور ثلاثه :
1- أن تكون التجربة موافقة للشرع .
2- أن يثبت نفعها نفعا حقيقيا وليس متوهما .
3- أن لا يترتب عليها أضرارا أو مفاسد .

فهذه شروط لازمة حتى لا يدعي كل واحد أن طريقته ثابته بالتجربة ويختلط علينا الحق بالباطل .

وحتى تكتمل الفائده فإني أذكر لكم بعض أقوال العلماء فيما يتعلق بتخييل المريض للعائن :

أولا : سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن مدى صحة تخيل المريض للعائن من جراء القراءة ، أو طلب الراقي من القرين أن يخيل للمريض من أصابه بالعين ؟ 
فأجابت – حفظها الله - : ( تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه وأمر القارئ له بذلك هو عمل شيطاني لا يجوز لأنه استعانة بالشياطين فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه وهذا عمل محرم لأنه استعانة بالشياطين ولأنه يسبب العداوة بين الناس ويسبب نشر الخوف والرعب بين الناس فيدخل في قوله تعالى : " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا " ( سورة الجن – الآية 6 ) ) ( جزء من فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء – الفقرة الثانية – برقم ( 20361 ) وتاريخ 17 / 4 / 1419 هـ ) .
وهو بخلاف الإتهام المأمور به شرعاً في حديث عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف المشهور حينما قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم :تتهمون له أحداً ؟

ثانيا : يقول الشيخ الدكتور ناصر العقل المدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - كلية أصول الدين - قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة - في تقديمه للكتاب الموسوم " كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية " للشيخ عبدالله بن محمد السدحان : ( وما أثير أخيراً حول مسألة التخييل فقد بحثت الموضوع مع الشيخ عبدالله – يقصد مؤلف الكتاب – ووجدت تصوره شرعيا صائبا – بحمد الله – واتفقنا على أن ما يرد إلى الإنسان القارئ من تخيلات وخواطر تتعلق بأشخاص غائبين بأنهم حصل منهم ضرر على المريض من عين أو سحر أو نحوه لا أصل له شرعا ، لكن إذا تذكر المريض أو فطن لحادثة أو موقف أو كلمة أو نحو ذلك يتهم فيه أحداً بعين أو أي شيء يؤذي فهذا له أصل في الشرع من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من تتهمون " أو يكرم الله من يشاء بكرامة أو رؤيا ينتفع بها فهي من المبشرات إذا توافرت فيها الشروط الشرعية .
أما أن يتكلف القارئ التخيل ويجعله دليلاً قاطعا على التعرف على العائن أو المتسبب فهذا لا أصل له فيما أعلم بل هو مجال لعبث الجن والشياطين ) ( كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية ؟ - ص 11 – 12 ) .

ثالثا : يقول الدكتور محمد بن عبدالله الصغير في تعليق له على استخدام هذه الطريقة : ( وكثيراً ما يحصل بسبب ذلك خلافات عائلية وتنافر بين الزملاء والأصحاب والأهل والأقارب ، والخلل في هذه الممارسة أنها لبست لباساً شرعياً لأنها جاءت من أناس لهم انتماء للعلم الشرعي بينما هي في حقيقتها قائمة على قضية نفسية بحتة ، تعتمد مخاطبة اللاشعور بطريقة فيها شيء من الإيحاء النفسي ، ويتبين ذلك أن هذا الشخص الذي أصابته علة نفسية أو جسدية أو مالية ، هو كغيره من أفراد مجتمعنا سوف يتبادلا إلى ذهنه خلال الصدمة الأولى للمصيبة أن شخصاً ما أصابه بعين ، أو عمل له عملاً ، أو نحو ذلك ، ولكنه ربما كتم هذا الشعور وهذا التصور في نفسه ولم يبده لأحد ، خاصة إذا كان المتهم بذلك شخصاً قريباً أو زميلاً عزيزاً على النفس .
وحين يأتي المريض للمعالج ويطمأن إليه وإلى طريقته ومظهره وسمته ويبدأ معه المعالج الطريقة السابقة ( طريقة التخييل ) فإنه يفتح له مغاليق شعوره الداخلي ، فتظهر هذه المشاعر والأحاسيس والتصورات بالصورة السابقة ، فيتصور أنها ظهرت بفعل الرقية وأن الرقية فعلاً تجعل المريض يرى في مخيلته من أصابه بالعين ) ( كتاب توعية المرضى بأمور التداوي والرقى – نقلاً عن كتاب "مهلاً أيها الرقاة" - ص 92 - 93 ) .

رابعا : يقول الدكتور طارق بن علي الحبيب استشاري وأستاذ مساعد الطب النفسي في كلية الطب بجامعة الملك سعود في تعليقه على طريقة التخييل : ( لقد راجعت نصوص الكتاب والسنة وما استطعت من أن أصل إليه من أقوال السلف والخلف ، وناقشت في ذلك العديد من العلماء وطلبة العلم ، فلم أجد من يعرف أصلاً لذلك بهذا الوصف الذي ذكر.
كما أنه لو استقرأنا حديث سهل بن حنيف – فإننا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستند في تحديد العائن إلى التخيلات والأوهام بل سأل سؤالاً محدداً لا لبس فيه ولا إيحاء : هل تتهمون فيه أحداً ؟ كما جاء عنه ، كما أنه أيضاً من يستقرئ شعائر الإسلام وحدوده يجد فيها الوضوح والاعتماد على الأمور القطعية الثابتة في الاتهام والعقوبة والجزاء ، وذلك لماذا ؟ كله حماية للنفوس ومنيعاً للقطيعة التي ربما أدت إلى اعتداء بعض الناس على البعض الآخر دون وجه حق ، اللهم إلا استناداً على ظنون ذلك الراقي الذي كان يغنيه عن ذلك كله الاستغناء بكتاب الله وما ثبت من الأدعية والأذكار .
وأخوف ما أخاف أن يقع مثل ذلك الراقي عن جهل منه تحت طائلة قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) ( سورة الأحزاب الآية 58 ) ، فهذه أذية للمؤمنين والمؤمنات قامت على الظن ، بل إنها في مواقف كثيرة – وقد وقفت على بعضها – أدت إلى قطيعة رحم ، وهجر الناس لبعضهم البعض ) ( محاضرة بعنوان " حوار حول الطب النفسي والرقية الشرعية " – نقلاً عن كتاب " مهلاً أيها الرقاة " - باختصار - ص 93 – 95 ) .

هذا والله تعالى أعلم وأحكم 
وكتبه عمرأبوجربوع
9/9 /2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حكاية سحر الحمامات

  حكاية سحر الحمامات بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد : انتشر ...