إحذروا المدمرات الثلاث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين .
وبعد :
فمن خلال تجربتي الطويلة في ميدان الرقية الشرعية ، ومتابعتي الحثيثة لأحوال المرضى ، ودراستي لسيرتهم الذاتية والمرضية ، وقفت على بعض الأمور التي قد تكون سبباً كبيراً في حدوث أمراض نفسية وعضوية عند كثير من الناس ، فأصبح لزاماً عليَّ التنبيه على ذلك ، خصوصاً وأن الشيطان يستخدمها سلاح قوي له في هلاك وتدمير بعض الناس ، الأمر الذي يغفل عنه كثير من الناس .
فهناك ثلاثة أمور رئيسية سميتها ( المدمرات الثلاث ) نظراً لخطورتها وهي :
الوحدة .
الهموم والأحزان .
قلة النوم .
ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن مبيت الرجل وحده في بيته ، ففي مسند أحمد من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوحدة ، أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده .
قال المناوي في فيض القدير : ( أن يبيت الرجل ومثله المرأة وحده أي في دار ليس فيها أحد ) .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده )) . رواه البخاري ، باب السير وحده ، ( 2998 ) .
وعن أبي ثعلبة الخشني قال : ( كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية ، إنما ذلكم من الشيطان )) فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضمّ بعضهم إلى بعض ، حتى يقال : لو بسط عليهم ثوب لعمهم . . سنن أبو داود ( 2628 ) , ومسند الإمام أحمد ( 17736 ) .
وسئل الإمام أحمد عن الرجل يبيت وحده ؟ فقال : ( أحب إليَّ أن يتوقى ذلك ) . الآداب الشرعية ( 1 : 428 ) .
وقال الطبري : ( هذا الزجر زجر أدب ، وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة ، وليس بحرام ، فالسائر وحده في فلاة ، وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش ، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف ) . . فتح الباري ، ابن حجر ، ( 6 : 53 ) .
وقال الإمام الخطابي : ( معناه أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان ، وهو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه ، وكذلك الاثنان ، فإذا صاروا ثلاثة فهو ركب : أي جماعة وصحب ) . عون المعبود ، محمد شمس الحق العظيم آبادي ، باب في الرجل يسافر وحده ، ( 2607 ).. والنهي عن الوحدة ، حمايةً من الأخطار المحتملة ، ووقاية من كيد الشيطان ووسواسه .
وفال الحافظ ابن حجر : ( وترجم له ابن خزيمة : " النهي عن سفر الاثنين ، وأن ما دون الثلاثة عصاة " ؛ لأن معنى قوله ( شيطان ) أي : عاص ) . . فتح الباري ، ابن حجر ، ( 6 : 53 ) .
وقال المهلب : ( نهيه عن الوحدة في سير الليل إنما هو إشفاق على الواحد من الشياطين ؛ لأنه وقت انتشارهم وأذاهم للبشر بالتمثل لهم ، وما يفزعهم ، ويدخل في قلوبهم الوساوس ؛ ولذلك أمر الناس أن يحبسوا صبيانهم عند حدقة الليل ) . . عمدة القاري ، العيني ، ( 14 : 247 ) .
أضرار الوحدة من الناحية الطبية :
أولاً : أكدت دراسة أمريكية حديثة أن أضرار العيش في وحدة تتجاوز أضرار التدخين والبدانة ، حيث إن العزلة الاجتماعية تعادل في أضرارها الجسمية تدخين خمس عشرة سيجارة في اليوم ، وضعف أضرار البدانة ، وحتى الإدمان على الكحول . . موقع العرب وصحيفة كل العرب ، الناصرة ، الثلاثاء 24 آذار 2009 م .
ثانياً : كشفت دراسة أمريكية حديثة عن أن مخالطة الفرد للناس ، والمشاركة الاجتماعية مع الآخرين ، قد تسهم في تحسين أداء الذاكرة لديه ، كما أن لها تأثيرات إيجابية على صحته النفسية ، وقد تسبب الوحدة الكثير من الأمراض النفسية الخطيرة مثل : الاكتئاب ، والغيرة على من لديه أصدقاء ، والحزن . . موقع العرب وصحيفة كل العرب ، الناصرة ، الثلاثاء 24 آذار 2009 م .
قال تعالى : (( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )) . . سورة النساء ، الآية ( 29 ) .
وفي الحديث الشريف : (( عجباً لأمر المؤمن !! إن أمره كله خير له ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، وليس ذلك إلا للمؤمن )) . . رياض الصالحين ، شرح الشيخ محمد صالح بن عثيمين – رحمه الله - ، باب الصبر ، حديث رقم ( 27 ) .
يقول الشيخ القرضاوي : لا شك أن الحزن يعتري الأنبياء كما يعتري عامة الناس ، ذكرنا حزن سيدنا يعقوب - عليه السلام - ، والرسول - عليه الصلاة والسلام - بشر يفرح كما يفرح البشر ، ويحزن كما يحزن البشر ، لذلك حزن على وفاة عمه حمزة ، وحزن على من أصيبوا من الصحابة في أُحُد ، ونزل قول الله تعالى : (( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) . سورة آل عمران ، الآية ( 139 ) .. وحزن على وفاة ابنه إبراهيم ، وقال : (( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون )) . البخاري ، كتاب الجنائز ، باب قول النَّبيّ : إنا بك لمحزونون ، ( 3 : 206 ) ، رقم ( 1303 ) .. هنا ميزة المؤمن عن غيره (( لا نقول إلا ما يرضي ربنا )) .
فالحزن شيء طبيعي ، فحينما ماتت حفيدة للنبي - عليه الصلاة والسلام - فدمعت عيناه ، فقيل له : يا رسول الله نهيتنا عن البكاء ، فقال : (( هذه رحمة ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء )) ، فالحزن الطبيعي والرحمة الطبيعية لا يمنع منهما بشر ، إنما الذي يمنع هو الاستسلام لهذه الأشياء والاستمرار فيها حتى تصبح مرضاً ، وهذا أعاذ الله منه رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يستعيذ بالله من الهم والحزن ، قال الله تعالى : ((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)) . سورة يونس ، الآية ( 58 ) .. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يتعوذ بالله ، ويستجير به من الهم والحزن فيقول : (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل ومن الجبن والبخل )) . رواه البخاري ( 5425 ) . والإنسان في حياته الدنيا معرض لأن يُهم وأن يُغم وأن يحزن وأن يصاب بشيء من الكآبة ، وهذا أمر طبيعي ، إن الهم جند من جنود الله يبتلي به عباده لينظر ما يعملون ، وهو وإن كان شعورا وليس مادة إلا أنه أشد أثراً من المؤذيات المادية ، ويؤكد ذلك ما ذكره علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حينما سئل : ( من أشد جند الله ؟ فقال : الجبال ، والجبال يقطعها الحديد .. فالحديد أقوى ، والنار تذيب الحديد .. فالنار أقوى ، والماء يطفئ النار .. فالماء أقوى ، والسحاب يحمل الماء .. فالسحاب أقوى ، والريح تعبث بالسحاب .. فالريح أقوى ، والإنسان يتكفأ الريح بيده وثوبه .. فالإنسان أقوى ، والنوم يغلب الإنسان .. فالنوم أقوى ، والهم يغلب النوم ؛ فأقوى جند الله هو الهم .. يسلطه الله على من يشاء من عباده ) . . جريدة الرابطة ، العدد ( 2174 ) ، 1432 هجري .
ولقد صدق الله تعالى إذ يقول :
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : فكنت أسمعه أي النبي - صلى الله علية وسلم - يكثر أن يقول : (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، وضلع الدين ، وغلبة الرجال )) . . رواه البخاري ( 5425 ) .
مر إبراهيم بن أدهم على رجل مهموم فقال له : إني سائلك عن ثلاثة فأجبني ، فقال : أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله ؟ أو ينقص من رزقك شيء قدره الله ؟ أو ينقص من أجلك لحظة كتبها الله ؟ فقال الرجل : لا ، قال إبراهيم : فعلام الهم إذن ؟
فليس كل من أصابه حزن يعتبر مريضاً ، لأن الحزن ظاهرة طبيعية ، والإنسان من شأنه أن يفرح وأن يحزن وهذه سُنَّة الحياة ولكن الذي يحزن بغير سبب ، أو الذي يطول حزنه ولا يجد مجالاً لأن يغير من واقعه فهذا هو الذي نعتبره مكتئباً ، والخوف من اليوم الآخر ، ومن الحساب ، ومن الجزاء ، ومن النار ، خوف مطلوب بشرط ألا يصبح خوفاً مرضياً يصيب الإنسان بالهلع والرعب . . جريدة اليوم ، الثلاثاء 5 / 1 / 1427 هجري الموافق 14 / 2 / 2006 ميلادي ، العدد ( 11932 ) .
لقد ثبت أن الهموم والأحزان تتلف خلايا الدماغ . كما كشفت دراسة علمية أجراها عدد من الباحثين أثبتت أن الأشخاص الأكثر عرضة لحالات الاكتئاب , والحزن الشديد بشكل مستمر هم أكثر الناس عرضة لتلف وموت خلايا الدماغ ، وأن أكثر الناس حزناً أقربهم إلى الإصابات الدماغية . . نقلاً شبكة النبأ المعلوماتية ، الأحد 25 تشرين الثاني 2007 م الموافق 14 ذو القعدة 1428 هجري .
وإن الاستسلام للهموم والأحزان ، والاستغراق فيها ، والجزع منها يكاد يفرق الإنسان ، ويفلق كبده ، ويحطم قلبه ، ويدمر أعصابه ويذهب صحته وشبابه إذا تمكن منه ولم يجد له دفعاً عنه .
فالهم والحزن يحدثان في نفس صاحبهما ضيقاً واكتئاباً ، فينحلان جسمه ، ويشيبان رأسه ، ويوهنان عزمه .
كما أن الهموم والأحزان هي اكبر قاتل عرفه تاريخ الإنسان ، والذي قيل فيه :
والهم يخترم الجسيم نحافة ويشيب ناصية الصبي ويهرم
والهم والحزن أساس الأمراض النفسية ومصدر الآلام الجسمية والعصبية .
يقول الدكتور جوزيف مونتاغيو : ( أنت لا تصاب بالقرحة بسبب ما تتناول من طعام ، بل بسبب ما يأكلك ، أي ما يأكلك من هموم وأحزان تجلب لك الأسقام والآلام ) . . نقلاً عن كتاب لا تحزن ، عائض القرني ، ( ص 105 ) .
النوم آية من آيات الله الكونية ، كما قال تعالى : (( وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)) . . سورة الروم ، الآية ( 23 ) .
وكما قال تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً )) . . سورة الفرقان ، الآية ( 47 ) .
وقال تعالى : (( لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) . سورة النمل ، الآية ( 86 ) .
وقال تعالى :
فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجذب لنا السمر بعد العشاء ) . فقه السنة ، سيد سابق ، ( 1 : 145 ) . . ومعنى يجذب : أي يذم ويعيب ويحذر .
وروى البخاري ومسلم عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - أنه قال : ( وكان – أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها . فهو على هذا كان يستحب التبكير في النوم .
وفي الصحيحين أيضاً عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : (( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ويصوم يوماً ويفطر يوماً )) . ) . . فقه السنة ، سيد سابق ، ( 1 : 145 ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمة الله - : (( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً )) أي : قاطعاً للتعب ، فالنوم يقطع ما سبقه من التعب ، ويستجد به الإنسان نشاطاً للمستقبل ، ولذلك تجد الرجل إذا تعب ثم نام : استراح وتجدد نشاطه ، وهذا من النعمة ، وهو أيضاً من آيات الله ) . كما قال الله تعالى : (( وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ)) . . سورة الروم ، الآية ( 23 ) .
فالسهر في طاعة الله هو سهر محمود ، ومنه السهر في مصالح المسلمين العامة كالجهاد ، والرباط في الثغور ، وكذلك السهر في إحياء الليل بالقيام والتلاوة ، قال تعالى : (( كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )) . سورة الذاريات ، الآية ( 17 – 18 ) ..
قال الشيخ محمد بن أحمد السفاريني – رحمه الله - : ( لا ينبغي مدافعة النوم كثيراً ، وإدمان السهر ، فإنَّ مدافعة النوم وهجره مورث لآفات أُخر من سوء المزاج ، ويبسه ، وانحراف النفس ، وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل ، وتورث أمراضاً متلفة ، وما قام الوجود إلا بالعدل ، فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير ، وفي الآداب الكبرى قال بعض الحكماء : " النعاس يذهب العقل , والنوم يزيد فيه " . فالنوم من نِعَم الله جل شأنه على عباده ، ولهذا امتنَّ عليهم في كتابه ) . . غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب ( 2 : 359 ) .
إن قلة النوم تسبب خللاً في جهاز المناعة ، وهو خط الدفاع الأول والأخير ضد الأمراض .
وقلة النوم تدمر قوى الشخص ، وتوقف العقل عن الإنتاج ، فيسيطر على المؤرق التشاؤم ، والميل للوحدة ، وكره المجتمعات فيكره نفسه ، ثم يكره الحياة .
وعدم أخذ القسط الكافي من النوم يؤدي إلى ظهور أعراض وأمراض أخرى منها :
التعب ، الصداع ، الغثيان ، واحمرار العينين وانتفاخهما ، والتوتر العصبي ، والقلق ، وضعف الذاكرة والتركيز ، وسرعة الغضب ، والألم في العضلات ، وبعض المشكلات الجلدية كالبثور ، وغيرها .
وحذر فريق من أطباء القلب من تأثير النقص في ساعات النوم ليلاً إذ اعتبروا ذلك ( قنبلة موقوتة ) للإصابة بأمراض القلب . . نقلاً عن منتديات الأردن .
وحذرت دراسة علمية حديثة من أن تفويت ليلة واحدة فقط من النوم ، قد تكون كافية التعريض دماغ الإنسان لعدم الاستقرار ، وسوء التركيز ، بالإضافة إلى تراجع القدرة على الإبصار . نقلاً عن موقع الموسوعة الطبية .
وقال الدكتور سانجاي غوبتا : ( إنه قد ينتج عن الدماغ بعض الردود والاستجابات غير المتوقعة في حال حرمانه من النوم ) .
وقال أيضاً : ( أن حرمان الجسم من النوم قد يفقد الدماغ قدرته في صد النوم اللاإرادي ، الذي قد يحدث في غضون ثوانٍ ، وبحسب العلماء فإن التأثير السلبي على الدماغ يحصل خلال هذه النوبات اللاإرادية ) . . نقلاً عن موقع الأسرة السعيدة .
الخلاصة :
مما سبق ذكره يتبين لنا أن الوحدة والهموم والأحزان والقلق وقلة النوم سلاح خطير جداً يستخدمه الشيطان ليكون سبباً كبيراً في حدوث الأمراض النفسية والعضوية عند كثير من الناس ، فالوحدة والهموم والأحزان والقلق وقلة النوم مذمومة ، فكثيراً ما نجد أن الشخص الذي يجلس وحده فترات طويلة ، يأتيه الشيطان ، فيلعب بأفكاره ، ويحزنه ، ويضع هموم الدنيا أمامه ، ويذكره أشياء تحزنه ، حتى يكون هذا حاله ، ويجعله يتضايق من الآخرين ، ويشك بهم ، حتى بأقرب الناس إليه . ومع طول المدة يتأثر نفسياً ، ومن ثم عضوياً ، ولذا فإن الأطباء يقولون : كل مرض نفسي يخلف مرضاً عضوياً ، والعكس صحيح .
لذلك فإنني أذكر لكم أكثر المشكلات التي يعاني منها الناس في هذه الأيام ، ويترددون على المعالجين من أجلها فيختلط على كثير من المعالجين تشخيص الحالة : أهي من تأثير السحر ، والحسد ، والمس ، أم هي أمراض نفسية ، وعصبية سببها بعض الضغوطات التي يتعرض لها الشخص في حياته ؟ ومنها :
تساقط شعر الرأس ، وزوغان البصر ، والصداع ، وآلام متنقلة في البطن ، والخواصر ، بل وفي الجسم كله ، وانتفاخات في البطن ، وآلام في المعدة ، وكتمه في الصدر ، وضيق في الخُلُق ، وإمساك شديد لعدة أيام ، وعدم اتزان في المشي ، ورؤية خيالات ، وسماع أصوات أحياناً ، ونخزه في الصدر من جهة القلب ، والخوف دون سبب ، وتسارع في دقات القلب ، والميل إلى الوحدة ، والنظر طويلاً في المرآة ، وبعد فترة من الزمن تجده يكره المرآة ، وتشويه التركيز ، والنسيان .
وفي ظني ، وبحسب خبرتي المتواضعة مع المرضى لا أرى هذه الأعراض المذكورة إلا أعراضاً نفسيه ونفسجسمانية تحدث بسبب تلك المدمرات الثلاثة التي يستخدمها الشيطان سلاحاً قوياً لإحداث مثل هذه الأمراض ، وللأسف فإن كثيراً من الناس يغفلون عن مثل هذه الأمور ، فيقعون فيها .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه أجمعين .
وبعد :
فمن خلال تجربتي الطويلة في ميدان الرقية الشرعية ، ومتابعتي الحثيثة لأحوال المرضى ، ودراستي لسيرتهم الذاتية والمرضية ، وقفت على بعض الأمور التي قد تكون سبباً كبيراً في حدوث أمراض نفسية وعضوية عند كثير من الناس ، فأصبح لزاماً عليَّ التنبيه على ذلك ، خصوصاً وأن الشيطان يستخدمها سلاح قوي له في هلاك وتدمير بعض الناس ، الأمر الذي يغفل عنه كثير من الناس .
فهناك ثلاثة أمور رئيسية سميتها ( المدمرات الثلاث ) نظراً لخطورتها وهي :
الوحدة .
الهموم والأحزان .
قلة النوم .
أولاً : الوِحدة :
ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - النهي عن مبيت الرجل وحده في بيته ، ففي مسند أحمد من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الوحدة ، أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده .
قال المناوي في فيض القدير : ( أن يبيت الرجل ومثله المرأة وحده أي في دار ليس فيها أحد ) .
قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده )) . رواه البخاري ، باب السير وحده ، ( 2998 ) .
وعن أبي ثعلبة الخشني قال : ( كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية ، إنما ذلكم من الشيطان )) فلم ينزل بعد ذلك منزلاً إلا انضمّ بعضهم إلى بعض ، حتى يقال : لو بسط عليهم ثوب لعمهم . . سنن أبو داود ( 2628 ) , ومسند الإمام أحمد ( 17736 ) .
وسئل الإمام أحمد عن الرجل يبيت وحده ؟ فقال : ( أحب إليَّ أن يتوقى ذلك ) . الآداب الشرعية ( 1 : 428 ) .
وقال الطبري : ( هذا الزجر زجر أدب ، وإرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة ، وليس بحرام ، فالسائر وحده في فلاة ، وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش ، لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف ) . . فتح الباري ، ابن حجر ، ( 6 : 53 ) .
وقال الإمام الخطابي : ( معناه أن التفرد والذهاب وحده في الأرض من فعل الشيطان ، وهو شيء يحمله عليه الشيطان ويدعوه إليه ، وكذلك الاثنان ، فإذا صاروا ثلاثة فهو ركب : أي جماعة وصحب ) . عون المعبود ، محمد شمس الحق العظيم آبادي ، باب في الرجل يسافر وحده ، ( 2607 ).. والنهي عن الوحدة ، حمايةً من الأخطار المحتملة ، ووقاية من كيد الشيطان ووسواسه .
وفال الحافظ ابن حجر : ( وترجم له ابن خزيمة : " النهي عن سفر الاثنين ، وأن ما دون الثلاثة عصاة " ؛ لأن معنى قوله ( شيطان ) أي : عاص ) . . فتح الباري ، ابن حجر ، ( 6 : 53 ) .
وقال المهلب : ( نهيه عن الوحدة في سير الليل إنما هو إشفاق على الواحد من الشياطين ؛ لأنه وقت انتشارهم وأذاهم للبشر بالتمثل لهم ، وما يفزعهم ، ويدخل في قلوبهم الوساوس ؛ ولذلك أمر الناس أن يحبسوا صبيانهم عند حدقة الليل ) . . عمدة القاري ، العيني ، ( 14 : 247 ) .
أضرار الوحدة من الناحية الطبية :
أولاً : أكدت دراسة أمريكية حديثة أن أضرار العيش في وحدة تتجاوز أضرار التدخين والبدانة ، حيث إن العزلة الاجتماعية تعادل في أضرارها الجسمية تدخين خمس عشرة سيجارة في اليوم ، وضعف أضرار البدانة ، وحتى الإدمان على الكحول . . موقع العرب وصحيفة كل العرب ، الناصرة ، الثلاثاء 24 آذار 2009 م .
ثانياً : كشفت دراسة أمريكية حديثة عن أن مخالطة الفرد للناس ، والمشاركة الاجتماعية مع الآخرين ، قد تسهم في تحسين أداء الذاكرة لديه ، كما أن لها تأثيرات إيجابية على صحته النفسية ، وقد تسبب الوحدة الكثير من الأمراض النفسية الخطيرة مثل : الاكتئاب ، والغيرة على من لديه أصدقاء ، والحزن . . موقع العرب وصحيفة كل العرب ، الناصرة ، الثلاثاء 24 آذار 2009 م .
ثانياً : الهموم والأحزان :
قال تعالى : (( وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا )) . . سورة النساء ، الآية ( 29 ) .
وفي الحديث الشريف : (( عجباً لأمر المؤمن !! إن أمره كله خير له ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له ، وليس ذلك إلا للمؤمن )) . . رياض الصالحين ، شرح الشيخ محمد صالح بن عثيمين – رحمه الله - ، باب الصبر ، حديث رقم ( 27 ) .
يقول الشيخ القرضاوي : لا شك أن الحزن يعتري الأنبياء كما يعتري عامة الناس ، ذكرنا حزن سيدنا يعقوب - عليه السلام - ، والرسول - عليه الصلاة والسلام - بشر يفرح كما يفرح البشر ، ويحزن كما يحزن البشر ، لذلك حزن على وفاة عمه حمزة ، وحزن على من أصيبوا من الصحابة في أُحُد ، ونزل قول الله تعالى : (( وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)) . سورة آل عمران ، الآية ( 139 ) .. وحزن على وفاة ابنه إبراهيم ، وقال : (( إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون )) . البخاري ، كتاب الجنائز ، باب قول النَّبيّ : إنا بك لمحزونون ، ( 3 : 206 ) ، رقم ( 1303 ) .. هنا ميزة المؤمن عن غيره (( لا نقول إلا ما يرضي ربنا )) .
فالحزن شيء طبيعي ، فحينما ماتت حفيدة للنبي - عليه الصلاة والسلام - فدمعت عيناه ، فقيل له : يا رسول الله نهيتنا عن البكاء ، فقال : (( هذه رحمة ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء )) ، فالحزن الطبيعي والرحمة الطبيعية لا يمنع منهما بشر ، إنما الذي يمنع هو الاستسلام لهذه الأشياء والاستمرار فيها حتى تصبح مرضاً ، وهذا أعاذ الله منه رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يستعيذ بالله من الهم والحزن ، قال الله تعالى : ((قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)) . سورة يونس ، الآية ( 58 ) .. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيراً ما يتعوذ بالله ، ويستجير به من الهم والحزن فيقول : (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل ومن الجبن والبخل )) . رواه البخاري ( 5425 ) . والإنسان في حياته الدنيا معرض لأن يُهم وأن يُغم وأن يحزن وأن يصاب بشيء من الكآبة ، وهذا أمر طبيعي ، إن الهم جند من جنود الله يبتلي به عباده لينظر ما يعملون ، وهو وإن كان شعورا وليس مادة إلا أنه أشد أثراً من المؤذيات المادية ، ويؤكد ذلك ما ذكره علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حينما سئل : ( من أشد جند الله ؟ فقال : الجبال ، والجبال يقطعها الحديد .. فالحديد أقوى ، والنار تذيب الحديد .. فالنار أقوى ، والماء يطفئ النار .. فالماء أقوى ، والسحاب يحمل الماء .. فالسحاب أقوى ، والريح تعبث بالسحاب .. فالريح أقوى ، والإنسان يتكفأ الريح بيده وثوبه .. فالإنسان أقوى ، والنوم يغلب الإنسان .. فالنوم أقوى ، والهم يغلب النوم ؛ فأقوى جند الله هو الهم .. يسلطه الله على من يشاء من عباده ) . . جريدة الرابطة ، العدد ( 2174 ) ، 1432 هجري .
ولقد صدق الله تعالى إذ يقول :
- (( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ))
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : فكنت أسمعه أي النبي - صلى الله علية وسلم - يكثر أن يقول : (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ، والبخل والجبن ، وضلع الدين ، وغلبة الرجال )) . . رواه البخاري ( 5425 ) .
مر إبراهيم بن أدهم على رجل مهموم فقال له : إني سائلك عن ثلاثة فأجبني ، فقال : أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله ؟ أو ينقص من رزقك شيء قدره الله ؟ أو ينقص من أجلك لحظة كتبها الله ؟ فقال الرجل : لا ، قال إبراهيم : فعلام الهم إذن ؟
فليس كل من أصابه حزن يعتبر مريضاً ، لأن الحزن ظاهرة طبيعية ، والإنسان من شأنه أن يفرح وأن يحزن وهذه سُنَّة الحياة ولكن الذي يحزن بغير سبب ، أو الذي يطول حزنه ولا يجد مجالاً لأن يغير من واقعه فهذا هو الذي نعتبره مكتئباً ، والخوف من اليوم الآخر ، ومن الحساب ، ومن الجزاء ، ومن النار ، خوف مطلوب بشرط ألا يصبح خوفاً مرضياً يصيب الإنسان بالهلع والرعب . . جريدة اليوم ، الثلاثاء 5 / 1 / 1427 هجري الموافق 14 / 2 / 2006 ميلادي ، العدد ( 11932 ) .
أضرار الهموم والأحزان من الناحية الطبية :
لقد ثبت أن الهموم والأحزان تتلف خلايا الدماغ . كما كشفت دراسة علمية أجراها عدد من الباحثين أثبتت أن الأشخاص الأكثر عرضة لحالات الاكتئاب , والحزن الشديد بشكل مستمر هم أكثر الناس عرضة لتلف وموت خلايا الدماغ ، وأن أكثر الناس حزناً أقربهم إلى الإصابات الدماغية . . نقلاً شبكة النبأ المعلوماتية ، الأحد 25 تشرين الثاني 2007 م الموافق 14 ذو القعدة 1428 هجري .
وإن الاستسلام للهموم والأحزان ، والاستغراق فيها ، والجزع منها يكاد يفرق الإنسان ، ويفلق كبده ، ويحطم قلبه ، ويدمر أعصابه ويذهب صحته وشبابه إذا تمكن منه ولم يجد له دفعاً عنه .
فالهم والحزن يحدثان في نفس صاحبهما ضيقاً واكتئاباً ، فينحلان جسمه ، ويشيبان رأسه ، ويوهنان عزمه .
كما أن الهموم والأحزان هي اكبر قاتل عرفه تاريخ الإنسان ، والذي قيل فيه :
والهم يخترم الجسيم نحافة ويشيب ناصية الصبي ويهرم
والهم والحزن أساس الأمراض النفسية ومصدر الآلام الجسمية والعصبية .
يقول الدكتور جوزيف مونتاغيو : ( أنت لا تصاب بالقرحة بسبب ما تتناول من طعام ، بل بسبب ما يأكلك ، أي ما يأكلك من هموم وأحزان تجلب لك الأسقام والآلام ) . . نقلاً عن كتاب لا تحزن ، عائض القرني ، ( ص 105 ) .
ثالثاً : قلة النوم :
النوم آية من آيات الله الكونية ، كما قال تعالى : (( وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)) . . سورة الروم ، الآية ( 23 ) .
وكما قال تعالى : (( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً )) . . سورة الفرقان ، الآية ( 47 ) .
وقال تعالى : (( لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)) . سورة النمل ، الآية ( 86 ) .
وقال تعالى :
- (( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً))
فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجذب لنا السمر بعد العشاء ) . فقه السنة ، سيد سابق ، ( 1 : 145 ) . . ومعنى يجذب : أي يذم ويعيب ويحذر .
وروى البخاري ومسلم عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - أنه قال : ( وكان – أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها . فهو على هذا كان يستحب التبكير في النوم .
وفي الصحيحين أيضاً عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له : (( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام ، وأحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان ينام نصف الليل ، ويقوم ثلثه ، وينام سدسه ، ويصوم يوماً ويفطر يوماً )) . ) . . فقه السنة ، سيد سابق ، ( 1 : 145 ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمة الله - : (( وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً )) أي : قاطعاً للتعب ، فالنوم يقطع ما سبقه من التعب ، ويستجد به الإنسان نشاطاً للمستقبل ، ولذلك تجد الرجل إذا تعب ثم نام : استراح وتجدد نشاطه ، وهذا من النعمة ، وهو أيضاً من آيات الله ) . كما قال الله تعالى : (( وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ)) . . سورة الروم ، الآية ( 23 ) .
فالسهر في طاعة الله هو سهر محمود ، ومنه السهر في مصالح المسلمين العامة كالجهاد ، والرباط في الثغور ، وكذلك السهر في إحياء الليل بالقيام والتلاوة ، قال تعالى : (( كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )) . سورة الذاريات ، الآية ( 17 – 18 ) ..
قال الشيخ محمد بن أحمد السفاريني – رحمه الله - : ( لا ينبغي مدافعة النوم كثيراً ، وإدمان السهر ، فإنَّ مدافعة النوم وهجره مورث لآفات أُخر من سوء المزاج ، ويبسه ، وانحراف النفس ، وجفاف الرطوبات المعينة على الفهم والعمل ، وتورث أمراضاً متلفة ، وما قام الوجود إلا بالعدل ، فمن اعتصم به فقد أخذ بحظه من مجامع الخير ، وفي الآداب الكبرى قال بعض الحكماء : " النعاس يذهب العقل , والنوم يزيد فيه " . فالنوم من نِعَم الله جل شأنه على عباده ، ولهذا امتنَّ عليهم في كتابه ) . . غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب ( 2 : 359 ) .
أضرار قلة النوم من الناحية الطبية :
إن قلة النوم تسبب خللاً في جهاز المناعة ، وهو خط الدفاع الأول والأخير ضد الأمراض .
وقلة النوم تدمر قوى الشخص ، وتوقف العقل عن الإنتاج ، فيسيطر على المؤرق التشاؤم ، والميل للوحدة ، وكره المجتمعات فيكره نفسه ، ثم يكره الحياة .
وعدم أخذ القسط الكافي من النوم يؤدي إلى ظهور أعراض وأمراض أخرى منها :
التعب ، الصداع ، الغثيان ، واحمرار العينين وانتفاخهما ، والتوتر العصبي ، والقلق ، وضعف الذاكرة والتركيز ، وسرعة الغضب ، والألم في العضلات ، وبعض المشكلات الجلدية كالبثور ، وغيرها .
وحذر فريق من أطباء القلب من تأثير النقص في ساعات النوم ليلاً إذ اعتبروا ذلك ( قنبلة موقوتة ) للإصابة بأمراض القلب . . نقلاً عن منتديات الأردن .
وحذرت دراسة علمية حديثة من أن تفويت ليلة واحدة فقط من النوم ، قد تكون كافية التعريض دماغ الإنسان لعدم الاستقرار ، وسوء التركيز ، بالإضافة إلى تراجع القدرة على الإبصار . نقلاً عن موقع الموسوعة الطبية .
وقال الدكتور سانجاي غوبتا : ( إنه قد ينتج عن الدماغ بعض الردود والاستجابات غير المتوقعة في حال حرمانه من النوم ) .
وقال أيضاً : ( أن حرمان الجسم من النوم قد يفقد الدماغ قدرته في صد النوم اللاإرادي ، الذي قد يحدث في غضون ثوانٍ ، وبحسب العلماء فإن التأثير السلبي على الدماغ يحصل خلال هذه النوبات اللاإرادية ) . . نقلاً عن موقع الأسرة السعيدة .
الخلاصة :
مما سبق ذكره يتبين لنا أن الوحدة والهموم والأحزان والقلق وقلة النوم سلاح خطير جداً يستخدمه الشيطان ليكون سبباً كبيراً في حدوث الأمراض النفسية والعضوية عند كثير من الناس ، فالوحدة والهموم والأحزان والقلق وقلة النوم مذمومة ، فكثيراً ما نجد أن الشخص الذي يجلس وحده فترات طويلة ، يأتيه الشيطان ، فيلعب بأفكاره ، ويحزنه ، ويضع هموم الدنيا أمامه ، ويذكره أشياء تحزنه ، حتى يكون هذا حاله ، ويجعله يتضايق من الآخرين ، ويشك بهم ، حتى بأقرب الناس إليه . ومع طول المدة يتأثر نفسياً ، ومن ثم عضوياً ، ولذا فإن الأطباء يقولون : كل مرض نفسي يخلف مرضاً عضوياً ، والعكس صحيح .
لذلك فإنني أذكر لكم أكثر المشكلات التي يعاني منها الناس في هذه الأيام ، ويترددون على المعالجين من أجلها فيختلط على كثير من المعالجين تشخيص الحالة : أهي من تأثير السحر ، والحسد ، والمس ، أم هي أمراض نفسية ، وعصبية سببها بعض الضغوطات التي يتعرض لها الشخص في حياته ؟ ومنها :
تساقط شعر الرأس ، وزوغان البصر ، والصداع ، وآلام متنقلة في البطن ، والخواصر ، بل وفي الجسم كله ، وانتفاخات في البطن ، وآلام في المعدة ، وكتمه في الصدر ، وضيق في الخُلُق ، وإمساك شديد لعدة أيام ، وعدم اتزان في المشي ، ورؤية خيالات ، وسماع أصوات أحياناً ، ونخزه في الصدر من جهة القلب ، والخوف دون سبب ، وتسارع في دقات القلب ، والميل إلى الوحدة ، والنظر طويلاً في المرآة ، وبعد فترة من الزمن تجده يكره المرآة ، وتشويه التركيز ، والنسيان .
وفي ظني ، وبحسب خبرتي المتواضعة مع المرضى لا أرى هذه الأعراض المذكورة إلا أعراضاً نفسيه ونفسجسمانية تحدث بسبب تلك المدمرات الثلاثة التي يستخدمها الشيطان سلاحاً قوياً لإحداث مثل هذه الأمراض ، وللأسف فإن كثيراً من الناس يغفلون عن مثل هذه الأمور ، فيقعون فيها .
هذا والله تعالى أعلم وأحكم .
كتبه /عمر ابوجربوع
الخميس 29/3/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق