العشق الشيطاني بين الغلو والإعتدال
الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات ، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب نورا وهدى وشفاء للناس ، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم طبيب الأبدان والأرواح وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه .
لقد أكثر بعض الأخوة الرقاة من تشخيص كثير من الحالات بالعشق الشيطاني وظهر ذلك جليا من خلال ممارساتهم ومقالاتهم العملية مستدلين على ذلك بأمور كثيرة منها :
1- قوله تعالى ((وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)) الأنعام:128. والعشق بين الإنس والجن يعد نوعا من الإستمتاع .
2- حادثة ابن تيمية- رحمه الله تعالى- حينما قالت الجنية أثناء الضرب : أنا أحبه فقال لها: هو لا يحبك قالت: أنا أريد أن أحج به فقال لها: هو لا يريد أن يحج معك فقالت: أنا أدعه كرامة لك قال: قلت: لا ولكن طاعة لله ولرسوله قالت: فأنا أخرج منه ....الخ.
3- كثرة الؤى والمنامات والأحلام والخيالات في المنام.
4- مداومة المرأة في النظر على المرآه فإن المغالين رأوا أن ذلك من عشق الشيطان.
ومن غلوا هؤلاء في أمر العشق الشيطاني أن كل من أتى إليهم يشتكي من مثل هذه الأعراض سرعان ما نسبوه وألصقوه بالعشق الشيطاني .
وفي مقابل هؤلاء نجد المنكرين للمسألة برمتها فهناك من ينفي وجود العلاقة بين الإنس والجن أو ينفي حالة العشق بينهما ، وقد عرف هذا الرأي عند المعتزلة وقد وافقهم في ذلك البعض.
وبين هؤلاء وأولئك المعتدلون الذين يثبتون ولا ينفون حالة العشق بين الإنس والجن ولا يغالون في هذه المسألة ويرون إن حدثت في شذر من الأمر قليل وليس بهذه الصورة التي يصورها غلاة الرقاة ويدل على ذلك أن حادثة ابن تيمية-رحمه الله تعالى- ما هي إلا رواية واحده من بين الروايات الكثيرة التي تثبت التلبس الشيطاني عموما مع كثرة ما تكلم وذكر ابن تيمية-رحمة الله تعالى- في هذا الباب.
كما أن عبارة العشق صادره من الجنيه نفسها ولا يخفى عليكم أن الجن فيهم كذب كثير وقد صدرت هذه العبارة من ابن تيميه نفسه- رحمه الله تعالى- فقد تكون هذه العبارة الصادرة من الجنيه قالتها لتتذرع بها لعدم الخروج فسرعان ما قالت بعدها أريد أن أحج به فاحتمال صدقها وكذبها وارد فلا تحمل هذه الحادثه على تهويل أمر العشق الشيطان فضلا عن تقنينه.
كما أن استدلالهم بالآية الكريمه في قوله تعالى : ((رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ)) . الأنعام:128.
فقد ذكر علماء التفسير أن استمتاع الجن بالإنس يكون بعبادتهم إياهم بالذبائح، والنذور، والدعاء وأن استمتاع الإنس بالجن يكون بقضاء الجن لحوائج الإنس التي يطلبونها منهم، وإخبارهم ببعض المغيبات التي يطلع عليها الجن في بعض الجهات النائية، أو يسترقونها من السمع، أو يختلقون ذلك ويكذبونه وهو الأكثر، قال الإمام ابن كثير: قال ا***ن: وما كان استمتاع بعضهم ببعض، إلا أن الجن أمرت، وعملت الإنس.. وقال ابن جريج: كان الرجل في الجاهلية ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي، فذلك استمتاعهم، فاعتذروا به يوم القيامة، وأما استمتاع الجن بالإنس، فإنه كان فيما ذكر: ما ينال الجن من الإنس من تعظيمهم إياهم في استعانتهم بهم، فيقولون: قد سدنا الإنس والجن.أهـ. تفسير ابن كثير 2/238.
وقال الشوكاني قي تفسيره للآية:" أما استمتاع الجن بالإنس: فهو ما تقدم من تلذذهم باتباعهم لهم، وأما استمتاع الإنس بالجن فحيث قبلوا منهم تحسين المعاصي، فوقعوا فيها وتلذذوا بها." وقوله ما تقدم يشير به إلى قوله تعالى :" قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ".
وذكر الشوكاني معنى ثالثا للاستمتاع وهو:" وقيل: استمتاع الجن بالإنس: أنهم كانوا يصدقونهم فيما يقولون من الأخبار الغيبية الباطلة، واستمتاع الإنس بالجن: أنهم كانوا يتلذذون بما يلقونه إليهم من الأكاذيب".
أما ما يتعلق بالخيالات والمنامات الجنسية في المنام : فمن المعلوم بالفطرة إن شهوة اللجنس هي من أقوى الشهوات لدى الإنسان ذكورا وإناثا ولا يبرح يفكر فيها في ليله ونهاره وكثير من المنامات انعكاسات لما يفكر فيه الإنسان وقد ثبت طبيا أن هناك أمراضا نفسيه عديده تسبب مثل هذه المنامات.
وأما مسألة النظر في المرآه : فهذا مما جبلت عليه المرأة فطبيعة المرأة تحب الجمال ومتابعة جمالها في المرآه وإن كثر ذلك فإنه من طبائع النساء . حتى إن بعض الرقاة ذكر أن الجني ينظر بعيون المرأة ويستمتع برؤية جسدها على المرآه الامر الذي دعاني أن أقول : هل يحتاج الجني إلى مرآه ليرى من خلالها مفاتن المرأه ؟ّّ!! فإن ثبت أن الجني ينظر بعيون المرأه !!! أقول : بأنه لا يحتاج الجني إلى عيني المرأة ولا مرآتها لينظر إليها فقد ينظر إليها من خارج الجسد.
الخلاصة :
ولا يفهم من هذا إنني أنفي مسألة العشق الشيطاني للإنسان بل إن هذا الأمر هو نوع من أنواع المس الشيطاني الذي نقره ولا ننكره بغض النظر عن سبب دخوله للجسم
ولكنني لا أرى الغلوا الذي حدث فيه والتهويل المريع الذي نراه خاصة وأن الأدلة التي استدل بها الغلاة وإن كانت تثبت العشق إلا أنها ليست دالة على كثرة الحالات كما صورها البعض .
ولو كانت هذه الأعراض دالة على العشق الشيطاني كما يزعمون لقلنا أن تسعة أعشار الأمه واقعه بالعشق الشيطاني فجل نسائها تكثر النظر في المرآه.
ولذا فإنني أدعوا الأخوة الرقاة إللى الإعتدال في هذا الأمر إحقاقا للحق ورحمة بالأمة.
وكتبه : عمرأبوجربوع
يوم الأحد الموافق : 9 / 12 / 2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق